ليلى محب سيدة وقعت ضحية خطأ طبي بمستشفى ابن رشد بالبيضاء قبل خمسة عشر سنة، نتيجة نسيان مقص في بطنها عند خضوعها لعملية ولادة قيصرية، فأصيبت بالعديد من الأمراض من بينها السرطان.
الضحية حاليا وضعيتها الصحية جد متدهورة وقد تفارق الحياة في أي لحظة، إن لم تجر لها عملية مستعجلة لإنقاذ حياتها.
ليلى تروي قصتها المحزنة وتكشف عن معطيات صادمة.
انتقلنا إلى بيت السيدة ليلى محب الكائن ببلدية الدروة التابعة لإقليم النواصر، حيث استقبلتنا والدموع تملأ عينيها قبل أن تنهمر بغزارة مع أولى الكلمات التي تنطقها. السيدة ليلى لم تتمكن من النهوض لملاقاتنا بسبب إصابتها بشلل نصفي أجبرها على مداومة الجلوس واستخدام كرسي متحرك.
تقول ليلى إنها غير قادرة على المشي منذ حوالي عشر سنوات، وذلك بسبب الخطأ الطبي الذي تعرضت له، فمنذ تعرضها لحادثة نسيان مقص ببطنها أثناء عملية جراحية، وهي تعيش في كابوس مزعج تتمنى أن تستيقظ يوما منه وتعود إلى ممارسة حياتها بشكل طبيعي كسائر النساء.
ظروف إجراء العملية
لم تكن تتوقع ليلى محب أن حياتها ستتحول إلى جحيم، خاصة أنها كانت تنتظر بفارغ الصبر موعد ولادة طفلتها الأولى.
تحكي ليلى في معرض حديثها أنها كانت ترغب في ولادة ابنتها بشكل طبيعي غير أنها تفاجأت داخل مستشفى ابن رشد بإدخالها إلى غرفة العمليات للخضوع لعملية قيصرية، حيث التف حولها عشرة ممرضين أفارقة كما أقدمت إحدى الممرضات الإفريقيات على صفعها وفق روايتها.
وتضيف ليلى أنها بعد انتهاء عملية الولادة أخبرتها عاملة النظافة بالمستشفى أن إحدى الممرضات تخطط لبيع رضيعتها، فلم تتحمل ليلى الخبر الذي نزل عليها كالصاعقة فأصيبت بانهيار عصبي وأخذت في الصراخ بشكل هستيري محاولة النهوض من السرير، ثم سقطت أرضا وهي عارية تماما، لتتمكن من استعادة طفلتها بمساعدة أحد المسؤولين بالمستشفى بعدما علم بالأمر.
وتروي ليلى محب أنها بعد حادثة ابنتها أصيبت بانخفاض مستوى السكري في الدم وتدهورت حالتها الصحية فمكثت بالمستشفى السالف الذكر حوالي شهرين، فيما تكلف زوجها برعاية الطفلة.
نسيان المقص
كانت ليلى محب تعتقد أنها بعد الخروج من المستشفى ستستعيد عافيتها وتمارس حياتها بشكل طبيعي إلا أن الأمر سار على العكس من ذلك تماما.
وتسرد أنها كانت تشعر بالألم بسبب الدم والصديد اللذين كانا يخرجان من فتحة ببطنها بعد العملية لتقرر العودة إلى المستشفى، بيد أنها لم تتلق العناية والاهتمام اللذين كانت تتوخاهما، كما أن إحدى الممرضات نصحتها بعصر بطنها في الحمام، وفق روايتها دائما. لتضطر للذهاب إلى العيادات الخاصة قصد تلقي العلاج وبعد مرور سنتين على الولادة اكتشفت أنها تحمل مقصا في أحشائها.
تتنهد ليلى وتبكي بحرقة ثم تردف قائلة إن طبيبا يهودي الديانة يعمل بإحدى المصحات الخاصة ساعدها على إجراء
عملية جراحية لإزالة المقص بالمجان، مؤكدة أنه هو الوحيد الذي ساندها في محنتها وتكلف بمصاريف علاجها آنذاك، كما كتب تقريرا يشهد فيه بعثوره على مقص داخل بطنها والذي تسبب لها في تعفنات.
السرطان وأمراض أخرى
كشفت ليلى عن بطنها المنتفخ وهي تبكي من شدة الألم والمعاناة لتقول: «انظروا إلى بطني الآن فهو منتفخ ويمكن أن ينفجر في أية لحظة إن لم أخضع لعملية جراحية مستعجلة في مصحة خاصة، فلم أعد أثق في المستشفى العمومي، وقد أخبرني الطبيب أن حالتي خطيرة ويجب أن أجري عملية لتنظيف بطني.. أرجوكم أنقذوني …»، تردف مستعطفة قبل أن تضيف أنها بسبب الخطأ الطبي أصبحت تعاني من عدة أمراض من بينها مرض السرطان فقد سبق لها أن خضعت للعلاج الكميائي بمستشفى ابن رشد، غير أن الطبيب المعالج أخبرها بضرورة إجراء عملية تنظيف بطنها من المكروبات فانقطعت عن العلاج.
وبالإضافة إلى مرض السرطان، تؤكد ليلى محب أنها مصابة بداء السكري ومرض الربو، والحصى في الكلي، إذ يتطلب الأمر إجراء عملية بالليزر وميكروب خلف الحبل السري، كما تورمت قدماها وانتفخت بشكل غير طبيعي وتنزف دما. وعلاوة على ذلك فقد حرمت ليلى من الإحساس بالأمومة مرة أخرى.
ليلى تائهة في المحاكم
طرقت ليلى قبل عشر سنوات أبواب القضاء من أجل الحصول على حقها ومحاسبة الطبيب الذي تسبب لها في عاهة مستديمة وحول حياتها إلى جحيم، غير أنها لم تتمكن من ذلك.
وكشفت ليلى أنها رفعت دعوى قضائية ضد المستشفى، حيث كان مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات حاليا، محاميا ينوب عنها في قضيتها التي أثارت ضجة كبيرة ووصلت قصتها إلى قبة البرلمان لكن من دون فائدة، حسبها.
تقول ليلى بنبرة متحسرة : «قال لي الرميد ما عندي ما ندير ليك لي فجهدي درتو»، وتضيف أنها طرقت جميع الأبواب إلا أنها أغلقت في وجهها، إذ إن الدكتور الراحل عبد الرحيم الهاروشي (بصفته مديرا للمركز الاستشفائي ابن رشد حينها) أفاد للمحكمة بأن السيدة ربما لم تجر العملية في المستشفى المذكور، مرجحا أن الطبيب الذي قام بالعملية قد يكون متدربا، خاصة أن الطبيب المولد لم يكتب اسمه في الوثائق الخاصة بالولادة».
وتوضح ليلى أنها لحدود اليوم لا تعرف الشخص الذي أجرى لها العملية لأنه كان يعي تماما الخطأ الذي ارتكبه لذلك لم يكتب اسمه، فالقضاء لم ينصفها لكونها تتابع طبيبا مجهول الهوية.
وضعية اجتماعية مزرية
لم تتمكن ليلى من الحصول على حقها ومتابعة الطبيب الذي أفسد عليها حياتها، وبالإضافة إلى وضعها الصحي الحرج، فليلى تعاني بسبب مرض ابنتها البالغة من العمر خمسة عشر سنة، ومصابة بمرض التوحد. وتشير ليلى إلى أن ابنتها تضربها لأنها لا تتناول دواءها، فعندما عرضتها على الطبيب تبين لها أن ابنتها أصيبت بالمرض منذ مدة طويلة متأثرة بمشاكل الأسرة، كما تعاني أيضا من مرض آخر نتيجة ميكروب خطير تكون على مستوى الجبهة والذي يتطلب مصاريف أخرى.
تحيط المشاكل بليلى من كل جانب فزوجها يعاني هو الآخر من مرض نفسي حيث فر من مستشفى الأمراض النفسية والعقلية ببرشيد قبل سبع سنوات، وتروي السيدة أنه كان بمثابة سندها في الحياة، فقد كان إنسانا واعيا ومثقفا ويعمل كموظف في المحافظة قبل أن يصاب بخلل ذهني.
أما شقيقها الذي كانت تنتظر منه أن يقدم لها يد العون فهو يرغب، بحسبها، في بيع المنزل الذي تقطن به للحصول على حقه في الإرث في بيت الأسرة بعد وفاة والدتها وهو الأمر الذي أثر كثيرا في نفسية ليلى محب والتي أصبحت تشعر بالوحدة والحرمان، كما تضيف أنها لا تجد من يطرق بابها للاطمئنان على أحوالها سوى ابن الجيران الذي يتطوع لمساعدتها.
وتقول ليلى إنها لا تجد ما تقتات به، إذ تضطر للذهاب كل يوم جمعة إلى مقبرة الشهداء من أجل التسول. إذ ترتدي الحفاظات لساعات طويلة بدون تغييرها جراء مرضها، وأحيانا لا تجد من يمد لها كوبا من الماء.
ولم تستطع ليلى مواصلة الحديث عن معاناتها فمن شدة البكاء والألم أغمي عليها ولم نتمكن من مساعدتها على استرجاع وعيها إلا بمساعدة شباب متطوعين من الذين صادفناهم بمنزلها حيث قدموا لها بعض المساعدات الغذائية والأدوية.
صلاح الدين صادق: «نطالب بالتدخل العاجل لمساعدة ليلى قبل أن تفقد حياتها»
تلجأ ليلى محب إلى صفحة مجموعة شباب الخير على موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك»، لطلب المساعدة بعدما ضاقت بها السبل. إذ لقيت حالتها تجاوبا من قبل شباب المجموعة الذين يجمعون لها التبرعات ويدعمونها مادينا ومعنويا.
من هؤلاء صلاح الدين صادق مسير صفحة شباب الخير والذي صادفناه في منزلها رفقة بعض أعضاء المجموعة، حيث كانوا يقدمون لها بعض المواد الغذائية والأدوية.
ويحكي صلاح أن شباب «الفايسبوك» يتعاطفون كثيرا مع ضحية الخطأ الطبي ويحاولون تقديم بعض المساعدات المادية البسيطة، خاصة أنهم يصرفون من مالهم الخاص وليسوا بجمعية خيرية تتوفر على الدعم.
ويضيف صلاح الدين أن حوالي سبعة آلاف عضو بصفحة بـ «الفايسبوك» يحاولون مساعدة ليلى ولو بـ «لايك»، أو «بارتاج» كي تصل قصتها لأكبر عدد من المواطنين لمساعدتها.
ويقول صادق: «السيدة ليلى تطلب منا فقط زيارتها والاطمئنان عليها، فهي تشعر بالوحدة وتعتبرنا بمثابة أبنائها، لذا نحاول متابعة وضعيتها الصحية عن طريق زيارة منزلها من قبل أعضاء المجموعة والذين يقطنون بالقرب من بيتها، لكن كل هذا لا يكفي لأن ليلى قد تفارق الحياة في أي لحظة إن لم تخضع لعملية جراحية مستعجلة».
ويطالب مسير صفحة شباب الخير الجميع بمساعدة ليلى محب خاصة أنها تضطر إلى التسول في المقبرة للحصول على ما تأكله، ناهيك عن مصاريف العلاج والأدوية الخاصة بها وبابنتها المصابة بمرض التوحد، وعلاوة على ذلك فهي مهددة بالتشرد بسبب رغبة شقيقيها في الحصول على البيت الذي يأويها.
وتؤكد ليلى بدورها أنه لولا مجموعة شباب الخير ومساعدات بعض المحسنين لماتت جوعا، فرغم المعاناة مع المرض غير أنها مازالت متشبثة بخيط الأمل لاستعادة عافتيها والعودة إلى حياتها الطبيعية.
عن الأخبار
اترك تعليقاً