أحمد بوعطير :
تأثر بالغ بدا على وجوه مجموعة من الصحفيين ومثثلي وسائل الإعلام، كما هو الشأن لمجموعة من عناصر القوات العمومية وهم يشاهدون مساء يوم أمس الاثنين إحدى الجرافات وهي تدك آخر ما تبقى من الحيين الصفيحيين الشانطي الجديد والشانطي الجمعي، تنفيذا لحكم قضائي وضع حدا لدوار عمر بالمحمدية لأزيد من ثمانين سنة، وسط صراخ لمجموعة من النساء واستنكار قوي لمجموعة من الرجال، الذين لم يتوانى بعضهم في سب وشتم عناصر القوات العمومية وممثلي السلطات المحلية، الذين تعاملوا بحكمة مع هذه الإنفلاتات اللسانية ربما لتفهمهم للظروف التي أملتها، وهم يشاهدون مجموعة من الأسر في طريقها نحو التشرد من بينها عائلة لديها مجموعة من المعوقين.
نزول مجموعة من ممثلي السلطات المحلية إلى الدوارين من بينهم عدد من القياد وأعوان السلطة مدعومين بعناصر من القوات المساعدة، وعناصر من الأمن العمومية ومن الشرطة القضائية والإستعلامات، على رأسهم رئيس المنطقة الإقليمية للأمن بالمحمدية ومجموعة من العمداء والضباط والمفتشين وعناصر من الوقاية المدنية، لم يتركوا خيارا أمام ساكنة الدوار سوى الاستسلام ورفع الراية البيضاء، بعد أن حاول بعضهم ترهيبهم في بادئ الأمر بالتهديد بالانتحار، أو بمحاولة التصدي للجرافة وهي تشق طريقها نحو أكواخهم الصفيحية من أجل دكها، لكن بمجرد اعتقال أحدهم حتى أدرك باقي السكان أن الأمر لا هزل فيه ومن الأحسن أن يبادروا إلى إخراج أمتعتهم قبل أن تصبح تحت الأنقاض، خصوصا أن ممثلي السلطات المحلية كانوا قد أعطوهم في نفس اليوم مهلة لإخراجها.
عملية هدم الأكواخ الصفيحية بالدوارين لم تكن بالمفاجأة أو المباغتة للسكان، الذين ظلوا يعيشون في السنوات الأخيرة تحت رعب التهديدات التي كان يقوم بها بعض ممثلي السلطات المحلية، من أجل حثهم على إخلاء منازلهم للسكن بمشروع الفتح بجماعة بني يخلف ، علما أن من بينهم من أحصي للإستفادة من المشروع لكن بعضهم كان يريد استفادة كذلك بعض أبناءه المتزوجون، فيما آخرون تم إقصائهم بطرق غير مفهومة، وكان من بين التهديدات التي توصل بها السكان منذ سنوات خلت رسائل من مندوبية وزارة السكنى تخبرهم فيها بإلغاء عملية استفادتهم من المشروع السكني بعد تماطلهم في هدم محلاتهم السكنية، ومع ذلك فقد ظل الممتنعون عن الرحيل متشبثين بمطالبهم إلى أن قضى الله أمرا كان مفعولا.
دوار الشانطي الجديد ظل عصيا على الهدم منذ أزيد من 20 سنة رغم بعض المحاولات التي تمت في هذا الإتجاه، وذلك بسبب بعض الأخطاء المرتكبة في هذا الشأن وتواطأ بعض المنتخبين الذين كان يحرضون السكان على عدم الرحيل، لأن الدوار كان يشكل لهم خزانا انتخابيا بامتياز يمكن له أن يقلب الكفة لصالح أي مرشح في رمشة عين. أول بداية للقضاء على دوار الشانطي الجديد انطلقت بتمكين مجموعة من سكان الدوار من بقع أرضية بحي الحسنية، لكن بدل أن يتم القضاء على الدوار تم تفريخ مجموعة من البراريك التي ترامت على مجموعة من الطرقات الفسيحة ، وفي الوقت الذي لم يكن عدد ساكنة الدوار تتجاوز 500 عائلة تضاعف عددها ليصبح حوالي 1000 عائلة، وتواصلت المحاولات للقضاء على الدوار سواء من طرف مندوبية وزارة السكان ،أو الوكالة الوطنية لمحاربة السكن الغير اللائق، حسب التغييرات في تسمية هذه المصالح دون جدوى ، فكانت المحاولة الثانية هي محاولة إسكان السكان في حي النصر1، وقد شرع بالفعل مجموعة من السكان في الرحيل للشقق لكن بعض الأخطاء المقصودة أو الغير متعمدة ساهمت في إجهاض عملية القضاء على الدوار، من بينها انتقال العديد من السكان للشقق دون هدم محلاتهم السكنية تاركين فيها مجموعة من أبناءهم أو أفراد من عائلاتهم مما جعل العملية تبوء بالفشل .
مؤسسة ” ليراك ” أخدت على عاتقها المبادرة قبل إدماجها مع العمران، وأنجزت لسكان الدوار بقع أرضية بحي رياض السلام والنهضة، حيت حضر آنداك توفيق احجيرة وزير السكنى والتعمير وأعطى الإنطلاقة لعمليات الهدم، وبالفعل فقد كانت وتيرة هدم الأكواخ الصفيحية بالشانطي الجديد من طرف قاطنيها تسير بوتيرة سريعة، لكن في السنوات الأخيرة بدأت العملية تخبوا شيئا فشيئا بسبب امتناع بعض السكان عن الرحيل لعدد من الأسباب، بعضها منطقي والبعض الآخر يدخل في خانة التعجيزات، وهم الذين كانت تطلق عليهم السلطات المحلية أصحاب المشاكل المستعصية عن الحل، إلى أن تمكنت مؤسسة العمران من تحقيق الفوز والقضاء على آخر كوخ صفيحي بالدوار، علما أن عملية هدم الأكواخ الصفيحية بالدوار لم تخلف ضحايا فقط من ساكنة الدوار، بل سبقهم في ذلك مجموعة المواطنين الذين أدوا دفوعات مالية منذ حوالي سنة 1985 لشركة ” ليراك “، من أجل الإستفادة من بقع أرضية بتجزئة الوحدة التي كانت ستشيد على أنقاض الدوار.
لكن الأخطاء التي تم ذكرها سابقا للقضاء على الدوار تسببت في عدم خروج المشروع إلى حيز الوجود خصوصا الشطر الثاني من المشروع ، ليموت العديد من المستفيدين من التجزئة دون أن ينعموا ببقهم الأرضية الذين أدى بعضهم تسبيقات مالية تناهز 24 مليون سنتيم ،أو يتم إرجاع الأموال التي لهفتها منهم شركة “ليراك ” حسب التسمية السابقة، فيما يوجد بعضهم حاليا طريح الفراش بسبب مجموعة من الأمراض المزمنة، بينما الأصحاء منهم لم يعد في مقدورهم حاليا بناءها نظر لكون أغلبهم تجاوزوا سن التقاعد، ولم يعد في استطاعتهم الحصول على قروض بنكية ، دون الحديثة عن الأثمنة الحالية الخيالية لمواد البناء التي تضاعفت بشكل مهول حاليا مقارنة مع سنوات الثمانينات.
https://www.youtube.com/watch?v=IuxxY-ok6NM
إدن اختفى الدوار من خارطة الوجود بمدينة المحمدية الذي ظل يشوه الجمال العمراني للمدينة ، لكن لم تختف معه المآسي التي خلفها للسكان الذين أصبحوا في عداد المتشردين، أو المستفيدين من الشطر الثاني من تجزئة الوحدة، دون الحديث عن ورثثة المستفيدين من التجزئة الذي من المؤكد أنهم سيجدون أنفسهم يدخلون في متاهات وصراعات لا أحد يمكنه التكهن بعواقبها.
اترك تعليقاً